القردة بالشفة مشاهد سحر ووجه مضيء من وجوه الجزائر


عد مركب عنصر القردة الواقع على الطريق الوطني الرابط بين مدينتي المدية والبليدة بوابة على عالم من السحر والدهشة والمتعة وأشياء أخرى ...
والزائر إليه سيقف مما لا شك فيه على باب من عتبة من الطهر والتطهر من عبء اليوميات بكل ما تعنيه من زحامات المدينة، وطوابير المضي في التواصل مع دواليب الحياة.
كانت الساعة قد جاوزت الرابعة بقليل حينما وقفت على بابه، استنطق بصمة الجزائريين الذين حولوا بابه من الصورة الوحشية القاتلة التي كان عليها يوم كان ثكنة عسكرية فرنسية في الأربعينيات من القرن الماضي إلى قبلة للسائحين من كل ربوع الوطن والعالم في العام 1966، حيث وقف العاملون في تاريخ الجزائر المستقلة إلى حتمية المضي في العمل على تشييد دواعي جلب السائحين إلى بلد الأحرار، فكان أن انشئوا مركبا لفندق ومطعم العمل في البناء حظيرة للحيوانات تمنح الزائر حقه في المتعة والسحر، ويمنحها هو الأخر حقها في الألفة والعناية والسهر على وجودها ككائن بيولوجي لا يستقيم للبيئة وجود ما لم يعنى الإنسان باعتبارها أحد ركائزه الرئيسة بأي حال من الأحوال.
استقبلنا الأعوان على بابه وأفسحوا لنا بساط العبور إلى مختلف اجتحته لمجرد مالا علموا أن دواعي تواجد بعين المكان لا تعدو أن تكون عبورا على روضة الصور للتزود بما يمكن أن يمد صيرورة الثقافة السياحية بشيء من الوجود يؤهلها لأن تحظى بدعم حركة الإعلام في الجزائر لأن تمضي في التأسيس للبنية السياحية الوطنية، ونشر ثقافة السياحة في الجزائر، فكان أن سار بجواري أحد العاملين في مركب عنصر القردة، ليمررني على مختلف أجنحته، حيث عكف على الشرح وعكفت على متابعة التصوير ولمدة تزيد عن ربع ساعة.
أثناء تواجدي يعين المكان كان مرافقي يشرح لي على أنه أحد الاستثمارات السياحية الخاصة الناجحة في الجزائر، بعدما استطاع مسيره الحاج حسان بخيتي في ظرف قياسي استعادة زبائنه من السياح المحليين والأجانب بفضل تأهيلات واسعة شملت مرافق المركب من الفندق والمطعم وحظائر الحيوانات أعادت بريقه وسحره الفتان بعد أن افتقده في العشرية الحمراء، وها هي العائلات الجزائرية تشد الطريق إليه خصوصا في نهاية كل أسبوع، حيث تعانق نسائم الراحة والتطهر وأشياء أخر..
على بابه كان يقف رجل بمعية زوجته وطفليه، وإذ هو يستعد للدخول وقد صادف أن كنت خارجا من مركب عنصر القردة، وحين واتت الفرصة لدردشة معه قال أن يزوره بين الفينة والأخرى، حين يسأمون من فوضى المدينة وضوضائها.. وأضاف ضاحكا أنه حين يكون بحاجة إلى أجراء صلح مع زوجته وأطفاله فإنه يأتي هنا حيث لا عنف وشجن ولا هم ولا احتجاج ..
الموقف ذاته تذهب إليه زوجته ولكن من زاوية أخرى، حين وصفت المكان بمنبر تجديد الألفة العائلية بينها وبين زوجها...
من جهتها تذهب زهرة التي سألتها عن زيارتها الأولى لمركب عنصر القردة قالت أنها كانت بمحض الصدفة، وكانت مجرد استراحة قصيرة أخذتها من بين أوقات العمل، لكن سرعان ما سحرها المكان وجذبها إليه بتظل على تردد دائم عليه لتداعب بروحها تلك المناظر الطبيعية التي تهب الإنسان السكينة التي عبرت عنها: تلك التي تجتاح نفسي كلما نظرت إلى المياه المتدفقة من مرتفعات الجبال ،هذه الجبال التي يخيل إلي أنها تتعانق بين حدود ولايتين عريقتين، يتعانق مواطنوها بروابط الدم كما تتعانق الجبال التي تهب المكان وقارا وعظمة .
وأضافت المتحدثة لإذاعة النت أن كل ما اختصر به زيارتي لهذا المكان هو الفطرة البيئة التي تشحنه، بخلاف حدائق العاصمة، التي زرتها مرات عدة، حيث لا تشعر وأنت تشاهد الحيوانات بعيدة عن بيئتها كما تشعر به الآن وأنت تقف البيئة البكر، البيئة التي وإن تدخلت فيها يد الإنسان من زاوية التنظيم فقط، قشتان بين الانطباع المصطنع والانطباع الصادق الذي يأتي على حدود التماس مع المشاهدة لحيوانات المنطقة الأطلسية، في منطقة أطلسية تمارس فيها الحيوانات حياتها بكل عفوية ..تنهدت المتحدثة وأضافت الشعور بالانتماء شيء جميل والأجمل حين يكون المنتمي إليه هذه الأرض المخضرة التي لا تزال كل مكوناتها عذراء...
في مركب عنصر القردة صادف أن التقت إذاعة النت بالأستاذين ناهلية مسعود وبن يوسف حميدي في المكان، وإذا كانت علاقة الأخير بالمكان جديدة فإن الأول تحدث كثيرا عن علاقته بتفاصيله التي تنتهي ولا تنتهي، خصوصا وانه ينحدر من ولاية المدية وبها يعمل، بينما الإقامة ففي ولاية تيبازا، وفي رحلته لمسقط رأسه ومكان عمله، والعودة إلى إقامته حكايات طويلة تكبر يوما فيوما مع منعرجات الشفة الضيقة التي بها يقع المركب السياحي عنصر القردة، فالمعروف – حسب الأستاذ ناهلية – أن المكان شهرته عالمية، حيث كان يستقبل هذا الفضاء الترفيهي سواح أجانب قدموا من أوروبا ومن مختلف بلدان العالم، من بينهم دبلوماسيين وسياسيين ورجال أعمال لم يستطيعوا مقاومة جماله الآخاذ، وقد زارته العديد من الشخصيات المعروفة، هذا فضلا عن استقباله يوميا لعشرات العائلات الجزائرية التي تقصده لقضاء أوقات ممتعة، وتبحث عن هواء منعش تستنشقه.
وأضاف الأستاذ أن مركب القردة يكاد يكون الوحيد في الجزائر، فهو يجمع بين مجرى مائي دائم تتدفق مياهه بنعومة في شلالات تأتي من منابع طبيعية، ومن ذوبان الثلوج التي تتراكم في أعالي الجبل لتشكل تدرجا مذهلا من الشلالات والأحواض المائية التي يسبح فيها البط والإوز، على ضفتي المجرى المائي تتواجد حظيرة الحيوانات ومختلف الأجنحة المشكلة للمركب .
فعلى مستوى حظيرة الحيوانات فهي تضم أنوعا عدة مثل النعام والديك البري والحمام والنسور والعقاب والذئاب والغزلان وغيرها من الحيوانات البرية الأليفة.
أما على مستوى الأجنحة فتتكون من مطعم غني وثري بأسعار مناسبة في ديكور خلاب يقدم أكلات ابتداء من وجبة الكسكسي والمشوي أهم الأطباق، بالإضافة إلى قاعة الشاي وقاعة حفلات تتسع لما يقل عن 200 شخص، إضافة إلى فندق عصري يتوفر على كافة أسباب الراحة، و محل لبيع أنواع البيتزا، وكشك يقدم مختلف السكريات حتى «لحية بابا» التي تدخل البهجة في نفوس الأطفال.
توقف جريان الحديث مع الأستاذ لعدم قدرته على منافسة جريان الشلالات وهي تدغدغ على طبلات النفس، حينما امتد بصري نحوى الأعلى حيث الجبال تمتد شامخة، لا يقوى عليه عبث القردة وهي تقفز على جنباتها في تحدي دائم وبكل حرية تبادل الزوار من العابرين دعابات مقابل ما تجود به من أكلات يرموها إليهم .

عن الاذاعة الوطنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق